تقنية جديدة لعلاج سرطان الثدي بجرعة إشعاعية
-
ابتكر أطباء من بريطانيا ودول أخرى في العالم تقنية جديدة لعلاج سرطان الثدي
تقوم على نظام الجرعة الإشعاعية الواحدة تُعطى خلال العملية الجراحية بدل
تطبيق برن...
الأربعاء، 12 أغسطس 2009
الخميس، 6 أغسطس 2009
الأربعاء، 5 أغسطس 2009
الأربعاء، 22 يوليو 2009
الثلاثاء، 7 يوليو 2009
النظر إلى النساء يضعف الذاكرة
هذه دراسة جديدة تؤكد صدق ما جاء في كتاب الله قبل أربعة عشر قرناً، حيث تبين للعلماء أن النظر إلى النساء يؤثر على الذاكرة القصيرة لدى الإنسان....
تؤكد دراسة هولندية جديدة أجراها أحد الباحثين على طلاب وطالبات في الجامعة أن مجرد حضور النساء الفاتنات والحديث معهن يسبب التشويش للرجال ويضعف الذاكرة لديهم ويخفض أداءهم العقلي بشكل كبير.
ويقول العلماء كلما كانت زينة المرأة وفتنتها أكبر كلما كان التأثر أكبر، ويفسر العلماء هذه الظاهرة بأن خلايا الدماغ التي تقوم بمعالجة المعلومات واتخاذ القرار تتأثر بحضور المرأة والنظر إليها والحديث معها. وركزت هذه الدراسة على موضوع الجاذبية والفتنة والتبرج. فالنظر إلى المرأة المتبرجة يفقد الرجل صوابه وبالتالي لا يتمكن من اتخاذ قرار صائب، على الأقل خلال وبعد النظر بفترة قصيرة حتى يزول التأثير.
وربما يا أحبتي ندرك لماذا أمرنا الله بغض البصر، يقول تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30]. وانظروا معي إلى الخطاب الرحيم الذي جاء بصيغة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) ليذكرنا بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا، وكأنه يأمرنا في كل لحظة أن نغض البصر. يذكرنا البيان الإلهي بالنبي في هذا الموقف عسى أن نتذكر سيرته العطرة وأخلاقه وأنه لم ينظر إلى امرأة قط نظر شهوة.
وانظروا معي إلى هذه العبارة الرائعة: (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)، فالنظر إلى المرأة يفسد التفكير والعقل ويعكر خلايا الدماغ ويشوش العمليات الفكرية فيه، ولكن عندما ينتهي الإنسان عن النظر إلى هذه المحرمات فإن دماغه يعمل بطريقة أكثر كفاءة ويستطيع اتخاذ القرار الصحيح بسهولة.
وانظروا معي كيف ختم الله هذه الآية العظيمة بقوله: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ليذكرنا بمراقبة الله لنا في كل لحظة، فهو القائل: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]. وهذه أفضل طريقة للعلاج، حيث يقول علماء النفس إن إحساس الإنسان بالمراقبة الخارجية يمكن أن يمنعه من ارتكاب الممنوعات.
وانظروا أيضاً كيف بدأ الأمر بغض النظر (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) حفظ الفرج (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) لأن الله يريد أن يبعد عنا أي شبهة أو فعل يؤدي إلى الفاحشة، فالنظر هو الخطوة الأولى لارتكاب المحرمات، والإنسان عندما يغض بصره فإنه يحس بحلاوة رائعة، وهذا ما أخبر به النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بأن النظرة سهم من سهام إبليس من تركه مخافة الرحمن أبدله الله نوراً يجد حلاوته في قلبه... سبحان الله!
وأخيراً أود أن أذكركم بأن عدد من علماء المسلمين قاموا بدراسة عن تأثير النظرة المحرمة، ومداومة النظر إلى النساء، وتبين لهم أن النظر إلى النساء يورث الكثير من الأمراض، على رأسها تصلب الشرايين نتيجة الهيجان الذي تحدثه هذه النظرات، وكذلك ضغط الدم وبعض الاضطرابات النفسية التي لا تظهر إلا أثناء الكبر... وغير ذلك من الأمراض، وقد أراد الله تعالى أن يطهرنا ويزكينا، ولذلك قال: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
ملاحظة: إن الدراسات أظهرت أن تأثير المرأة المتبرجة أكبر بكثير من المرأة العادية، ومن هنا ربما ندرك لماذا حرم الإسلام تبرّج المرأة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر المرأة من التبرج وأخبر بأنها لا تشم رائحة الجنة - إلا أن تتوب إلى الله تعالى. وفي حديث نبوي عظيم أخبر سيد البشر بأن التبرج والفتنة وخروج النساء (كاسيات عاريات مائلات مميلات) من علامات الساعة، وبالفعل، كيفما تلفتنا نرى أثراً من آثار التبرج، سواء على الفضائيات أو في الشوارع أو في جو العمل... ولذلك ينبغي أن نتذكر الأمر الإلهي: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30].
ويقول العلماء كلما كانت زينة المرأة وفتنتها أكبر كلما كان التأثر أكبر، ويفسر العلماء هذه الظاهرة بأن خلايا الدماغ التي تقوم بمعالجة المعلومات واتخاذ القرار تتأثر بحضور المرأة والنظر إليها والحديث معها. وركزت هذه الدراسة على موضوع الجاذبية والفتنة والتبرج. فالنظر إلى المرأة المتبرجة يفقد الرجل صوابه وبالتالي لا يتمكن من اتخاذ قرار صائب، على الأقل خلال وبعد النظر بفترة قصيرة حتى يزول التأثير.
وربما يا أحبتي ندرك لماذا أمرنا الله بغض البصر، يقول تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30]. وانظروا معي إلى الخطاب الرحيم الذي جاء بصيغة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) ليذكرنا بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا، وكأنه يأمرنا في كل لحظة أن نغض البصر. يذكرنا البيان الإلهي بالنبي في هذا الموقف عسى أن نتذكر سيرته العطرة وأخلاقه وأنه لم ينظر إلى امرأة قط نظر شهوة.
وانظروا معي إلى هذه العبارة الرائعة: (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)، فالنظر إلى المرأة يفسد التفكير والعقل ويعكر خلايا الدماغ ويشوش العمليات الفكرية فيه، ولكن عندما ينتهي الإنسان عن النظر إلى هذه المحرمات فإن دماغه يعمل بطريقة أكثر كفاءة ويستطيع اتخاذ القرار الصحيح بسهولة.
وانظروا معي كيف ختم الله هذه الآية العظيمة بقوله: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ليذكرنا بمراقبة الله لنا في كل لحظة، فهو القائل: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]. وهذه أفضل طريقة للعلاج، حيث يقول علماء النفس إن إحساس الإنسان بالمراقبة الخارجية يمكن أن يمنعه من ارتكاب الممنوعات.
وانظروا أيضاً كيف بدأ الأمر بغض النظر (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) حفظ الفرج (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) لأن الله يريد أن يبعد عنا أي شبهة أو فعل يؤدي إلى الفاحشة، فالنظر هو الخطوة الأولى لارتكاب المحرمات، والإنسان عندما يغض بصره فإنه يحس بحلاوة رائعة، وهذا ما أخبر به النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بأن النظرة سهم من سهام إبليس من تركه مخافة الرحمن أبدله الله نوراً يجد حلاوته في قلبه... سبحان الله!
وأخيراً أود أن أذكركم بأن عدد من علماء المسلمين قاموا بدراسة عن تأثير النظرة المحرمة، ومداومة النظر إلى النساء، وتبين لهم أن النظر إلى النساء يورث الكثير من الأمراض، على رأسها تصلب الشرايين نتيجة الهيجان الذي تحدثه هذه النظرات، وكذلك ضغط الدم وبعض الاضطرابات النفسية التي لا تظهر إلا أثناء الكبر... وغير ذلك من الأمراض، وقد أراد الله تعالى أن يطهرنا ويزكينا، ولذلك قال: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
ملاحظة: إن الدراسات أظهرت أن تأثير المرأة المتبرجة أكبر بكثير من المرأة العادية، ومن هنا ربما ندرك لماذا حرم الإسلام تبرّج المرأة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر المرأة من التبرج وأخبر بأنها لا تشم رائحة الجنة - إلا أن تتوب إلى الله تعالى. وفي حديث نبوي عظيم أخبر سيد البشر بأن التبرج والفتنة وخروج النساء (كاسيات عاريات مائلات مميلات) من علامات الساعة، وبالفعل، كيفما تلفتنا نرى أثراً من آثار التبرج، سواء على الفضائيات أو في الشوارع أو في جو العمل... ولذلك ينبغي أن نتذكر الأمر الإلهي: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30].
السبت، 20 يونيو 2009
الجمعة، 19 يونيو 2009
الخميس، 18 يونيو 2009
الجمعة، 12 يونيو 2009
الصلاة هي شفاء للنفس والجسد، هذه حقيقة نؤمن بها، ولكن بعض المشككين يدعون بأن الصلاة هي مجرد خضوع وذل وأسر للحرية، ولذلك سوف نتأمل ما جاء في دراسة أجراها أحد الباحثين الغربيين عن أثر الصلاة على الدماغ والصحة. وتجدر الإشارة إلى أن الدراسة لم تجرِ على أناس مسلمين، ولو تحقق ذلك لكانت النتائج مبهرة.
فقد توصل علماء يبحثون في أثر حالة التأمل على عقول الرهبان البوذيين إلى أن أجزاء من المخ كانت قبل التأمل نشطة تسكن، بينما تنشط أجزاء أخرى كانت ساكنة قبل بدء التأمل.
فقد توصل علماء يبحثون في أثر حالة التأمل على عقول الرهبان البوذيين إلى أن أجزاء من المخ كانت قبل التأمل نشطة تسكن، بينما تنشط أجزاء أخرى كانت ساكنة قبل بدء التأمل.
وفي مقالة نشرها موقع بي بي سي قال أندريو نيوبرغ Andrew Newbergطبيب الأشعة في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة "إنني أعتقد أننا بصدد وقت رائع في تاريخنا، حين نصير قادرين على استكشاف الدين والأمور الروحية من طريق لم يظن أحد من قبل أنه ممكن."
وقد درس نيوبيرغ وفريقه مجموعة من الرهبان البوذيين في التبت وهم يمارسون التأمل لمدة ساعة تقريباً، وذلك باستخدام تقنيات تصوير المخ. وطلب من الرهبان أن يسحبوا بيدهم خيطا حين يصلون إلى حالة التأمل القصوى، وعن طريق تلك العملية تحقن في دمهم كمية ضئيلة من مادة مشعة يمكن تعقبها في المخ، مما مكّن العلماء من رؤية الصبغة وهي تتحرك إلى مناطق نشطة من المخ. وبعد أن انتهى الرهبان من التأمل، أعيد تصوير المخ، وأمكن مقارنة حالة التأمل بالحالة العادية. وأظهرت الصور إشارات هامة بخصوص ما يحدث في المخ أثناء التأمل.
وقد درس نيوبيرغ وفريقه مجموعة من الرهبان البوذيين في التبت وهم يمارسون التأمل لمدة ساعة تقريباً، وذلك باستخدام تقنيات تصوير المخ. وطلب من الرهبان أن يسحبوا بيدهم خيطا حين يصلون إلى حالة التأمل القصوى، وعن طريق تلك العملية تحقن في دمهم كمية ضئيلة من مادة مشعة يمكن تعقبها في المخ، مما مكّن العلماء من رؤية الصبغة وهي تتحرك إلى مناطق نشطة من المخ. وبعد أن انتهى الرهبان من التأمل، أعيد تصوير المخ، وأمكن مقارنة حالة التأمل بالحالة العادية. وأظهرت الصور إشارات هامة بخصوص ما يحدث في المخ أثناء التأمل.
يشرح د. نيوبيرغ ذلك بقوله إن الصور أظهرت "زيادة في نشاط الجزء الأمامي من المخ، وهي المنطقة التي تنشط في الإنسان العادي حين يركز اهتمامه على نشاط معين." وبالإضافة إلى ذلك شهد الجزء الخلفي من المخ انخفاضاً ملحوظاً في نشاطه، وهي المنطقة المسؤولة عن إحساس الإنسان بالمكان. مما يؤكد الرأي القائل إن التأمل يؤدي إلى نقص الإحساس بالمكان. ويعلق د. نيوبيرغ بأنه "أثناء التأمل، يفقد الناس إحساسهم بأنفسهم، ويمرون كثيراً بتجربة الإحساس بانعدام المكان والزمان، وقد كان هذا بالضبط ما رأيناه."
قوة الصلاة
كما تتشابه التفاعلات المعقدة بين مناطق مختلفة في المخ أثناء التأمل مع التفاعلات التي تحدث أثناء ما يسمى بالتجارب الروحية أو الغامضة. وكانت دراسات سابقة أشرف عليها د. نيوبيرغ قد أجريت على نشاط المخ لدى راهبات فرنسيسكان أثناء نوع من الصلاة تعرف بصلاة "التركيز".
ويتسبب الجزء اللفظي من الصلاة في تنشيط أجزاء من المخ، لكن د. نيوبيرغ وجد أنها "نشطت منطقة الانتباه في المخ، وقلّصت نشاط المنطقة المسؤولة عن الوعي بالمكان".
وليست تلك المرة الأولى التي يفحص فيها العلماء أموراً روحية. ففي عام 1998، برزت الأهمية العلاجية للصلاة حين درس علماء في الولايات المتحدة مجموعة من مرض القلب وجدوا أنهم يعانون من مضاعفات أقل بعد فترة من الصلاة.
تصوير المخ فتح آفاقاً واسعة لدراسة خبرات جديدة، وهذه صورة مأخوذة بواسطة تقنية جديدة لتصوير الدماغ تدعى SPECT أيSingle Photon Emission Computed Tomography أثناء الحالة العادية (اليسار) وأثناء التأمل (اليمين)، لاحظوا كيف أن النشاط في المنطقة الأمامية منا لدماغ ازداد في حالة التأمل، من خلال البقع الحمراء التي تعبر عن مدى نشاط المخ. المرجع http://www.andrewnewberg.com/
وهذه صورة ثانية كمقارنة بين الحالة العادية (اليسار) وحالة التأمل (اليمين)، والتركيز هنا على المنطقة الجدارية الخلفية من الدماغ، حيث نلاحظ انخفاض ملحوظ في نشاط هذه المنطقة أثناء التأمل، تجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة مسؤولة عن الإحساس بالمكان. المرجع www.andrewnewberg.com
ويؤكد هذا الباحث إلى أن الإيمان ضروري جداً من أجل استمرار وجود البشر، لأنه يجعلهم أكثر تكيفاً مع واقعهم ويجيبهم عن التساؤلات التي يثيرها الدماغ لديهم. وقد وجد أن الصلاة (على الطريقة البوذية) تخفض ضغط الدم وتزيل الكآبة والقلق كما تخفض معدل نبضات القلب. ولذلك فإن الدين أفضل من الإلحاد لسلامة الإنسان وصحته، هكذا يؤكد عدد من الباحثين الغربيين.
يؤكد الدكتور أندريو نيوبرغ والمتخصص في علم الأعصاب على موقعه في شبكة الإنترنت أن الاعتقاد بوجود إله للكون ضروري جداً، من أجل صحة أفضل نفسياً وجسدياً. وفي كتابه "كيف يغير الله دماغك" الذي ألفه مع مجموعة من الباحثين وحقق مبيعات كبيرة في أمريكا، يقول نيوبيرغ: كلما كان اعتقادك بوجود الخالق أقوى كان دماغك أفضل!
إن العبادة والتأمل لمدة 12 دقيقة يومياً، تؤخر أمراض الشيخوخة وتخفض الإجهادات والقلق. إن الخضوع والعبادة وممارسة الصلاة تمنح الإنسان شعوراً بالأمن ومزيداً من الحب والرحمة، بينما الإلحاد والغضب والاحتجاج على الواقع تتلف الدماغ بشكل مستمر.
كتاب جديد صدر مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية لمتخصصين في علم الأعصاب، الكتاب هو خلاصة تجارب ودراسات للباحث نيوبرغ الأستاذ المساعد في جامعة بنسلفانيا، وقد وجد هذا الباحث أن الإيمان بالله مهم جداً وعظيم جداً للإحساس بالأمن ولتحسين حالة الدماغ وعمله، وأن الإيمان يُحدث تغيرات دائمة في طريقة عمل الدماغ فيؤخر مرض الزهايمر، ويساعد الإنسان على التأقلم مع محيطه من أجل حياة أفضل. تجدر الإشارة إلى أن الباحث ليس مسلماً، إنما يضع نتائج تجاربه بشكل حيادي نتيجة دراسته للدماغ من خلال تقنيةSPECT .
المرجع www.andrewnewberg.com/change.asp
لقد وجد الباحثون في هذا الكتاب أن الإيمان بالله يحدث تغييرات دائمة في دماغ الإنسان وطريقة عمل هذا الدماغ. إن الإيمان يكافح مرض الخرف الناتج عن موت عدد كبير من خلايا الدماغ بشكل مفاجئ. كما يعالج مرض باركنسون Parkinson’s disease بالإضافة إلى علاج الاضطرابات النفسية.
ماذا عن الصلاة على الطريقة الإسلامية؟
للأسف ليس هناك دراسات مماثلة عن تأثير الصلاة على الحالة الصحية للمسلم، ولكن يمكننا أن نقول: إن الصلاة التي أمرنا الله بها تتميز بالخشوع لله تعالى، وتتميز بالطمأنينة الناتجة عن قراءة القرآن، وتتميز بالحركات التي يقول العلماء إنها مناسبة لتنشيط العضلات والعظام.
والصلاة في الإسلام ليست مجرد طقوس مثل البوذية، بل لها معاني ودلالات، وأهداف وإحساس بالقرب من الله، لأن العبد يكون قريباً جداً من ربه أثناء الصلاة، وبخاصة السجود. والذي أود أن ألفت الانتباه إليه مسألة مهمة، وهي أن منطقة الناصية (المنطقة الأمامية من الدماغ) تنشط أثناء الصلاة، بينما "تهدأ" المنطقة الخلفية منه، ماذا يعني ذلك؟
إن منطقة الناصية مسؤولة عن التفكير الإبداعي وعن اتخاذ القرار، ولذلك فإن الصلاة بخشوع تساعد الإنسان على اتخاذ القرارات بشكل سليم وهذا يعني أن الصلاة تساعدك على النجاح في عملك!
إن التغيرات التي تحدثها الصلاة والمحافظة عليها، كبيرة جداً في دماغ الإنسان، وقد عشتُ هذه التجربة وأحسست بهذا التغير، وبالطبع لو سألت أي إنسان عن فوائد الصلاة وما يشعر به لأخبرك الكثير عن راحته النفسية وشفاء أمراضه واستقرار نفسيته وشعوره بالأمان والطمأنينة.
طبعاً هؤلاء الباحثون يعرفون تماماً أهمية الإيمان بالله، ولكن ما هو شكل الإيمان المطلوب، إنهم لا يعلمونه، ولن يجدوه إلا في كتاب الله تعالى، لأن الدين الوحيد الحقيقي هو الإسلام، وكل ما عدا ذلك دخله التحريف والتبديل وكلام البشر وامتزج بالخرافات.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الباحثين المسلمين قاموا بدراسات حول تأثير الصلاة على الصحة العقلية والجسدية، ووجدوا أن الصلاة تعتبر من أفضل التمارين الرياضية، وبخاصة إذا تم أداؤها في المساجد. فالمشي إلى المسجد والصلاة بخشوع، يقي من أمراض المفاصل ويساعد على شفاء مرض السكري ويخفض ضغط الدم بالإضافة إلى فوائد طبية كثيرة منها الوقاية من تصلب الشرايين وأمراض القلب.
ونكرر القول بأن الصلاة على منهج النبي صلى الله عليه وسلم هي أشد تأثيراً على آلية عمل الدماغ، ولو بحث العلماء تأثير الصلاة بخشوع، لرأوا نتائج مبهرة، فالصلاة على الطريقة البوذية أو صلاة الرهبان، ليست ذات أثر كبير لأنها تفتقر للخشوع الحقيقي الذي يجعل المؤمن في حالة القرب من الله تعالى، وتفتقر إلى المعاني العظيمة التي تحملها كلمات القرآن.. وهذا يعني أن الصلاة الإسلامية يزيد من إحساس المؤمن بالأمان والرضا والسعادة.
كلمة أخيرة
أحبتي في الله! لقد قصرنا كثيراً كمسلمين في حق كتاب ربنا وفي حق أنفسنا وفي حق نبينا عليه الصلاة والسلام، فمثلاً لماذا لا ندعو مثل هذا الباحث إلى إجراء تجارب على تأثير الصلاة وذكر الله والخشوع وتأثير الصلاة على النبي وتأثير الاستماع إلى القرآن... إنها بلا شك ستكون تجارب رائعة نثبت للعالم من خلالها أن الإسلام هو الدين الحق... لا يكفي أن نرفع الشعارات بحبنا للمصطفى عليه الصلاة والسلام، ينبغي أن نخاطب كل قوم بما يفقهون، والغرب لا يفقه إلا لغة البحث العلمي.
الأحد، 17 مايو 2009
نبي الله إدريس عليه السلام
قال اللهُ تعالى: {واذكر في الكتاب إدريسَ إنَّه كان صدّيقًا نبيًّا * ورفعناهُ مكانًا عليًّا} (سورة مريم/56-57).نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام نبوته ورسالتهسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام هو أحد الأنبياء والرسل الكرام الذين أخبر الله عنهم في القرءان الكريم، وقد ذكره الله تعالى في بضعة مواطن من سور القرءان، وهو ممن يجب الإيمان والاعتقاد بنبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم، وقد وصفه الله تعالى في القرءان الكريم بالنبوة والصدّيقية.نسبه وما جاء في وصفهاختلف في نسبه وأشهر ما قيل هو إدريس بن يرد بن مهلاييل، ويسمى أيضًا أخَنوخ، وينتهي نسبه عليه السلام إلى نبي الله شيث بن ءادم عليهم الصلاة والسلام.وقيل سمي إدريس بهذا الاسم لأنه مشتق من الدراسة، وذلك لكثرة درسه الصحف التي أنزلت على سيدنا ءادم وابنه شيث عليهم الصلاة والسلام.وأما ما جاء في وصفه فقد روى الحاكم في المستدرك عن سَمُرة بن جندب قال: كان إدريس أبيض طويلاً، ضخم البطن، عريض الصدر، قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص، فلما حصل من أهل الأرض الفجور والاعتداء في أمر الله رفعه الله إلى السماء فهو حيث يقول {ورفعناه مكانًا عليًّا}.وقيل إن إدريس هو أول من خطّ بعد ءادم عليه السلام وقطع الثياب وخاطها، وينسب إلى هذا النبي الكريم أشياء كثيرة مما هي كذب وافتراء. وقد ورى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :"يا أيا ذر أربعة سُريانيون: ءادم وشيثٌ وأخَنوخُُ وهو إدريس وهو أوّل من خطّ بالقلم، ونوحٌ".مولده ونشأته ودعوته إلى تطبيق شريعة اللهسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام وهو ثالث الأنبياء بعد ءادم وشيث عليهم السلام، ولقد اختلف العلماء في مولده ونشأته فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل مدينة في العراق، وقال ءاخرون إنه ولد بمصر والصحيح أنه ولد بالعراق في مدينة بابل.وقد أخذ إدريس عليه السلام في أول عمره بعلم شيث بن ءادم عليهما السلام ولما كبر ءاتاه الله النبوة والرسالة وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه ابن حبان، فصار عليه السلام يدعو إلى تطبيق شريعة الله المبنية على دين الإسلام الذي أساسه إفراد الله تعالى بالعبادة واعتقاد أنّه لا أحد يستحقّ العبادة إلاّ الله، وأن اللهَ خالق كلّ شىء ومالك كل شىء وقادر على كل شىء، وأن كل شىء في هذا العلم يحصل بمشيئة الله وارادته وأن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، ولا يشبهه شىء من خلقه.فعاش سيدنا إدريس عليه السلام يعلّم الناس شريعة الإسلام وأحكام دين الله، مع أن الناس الذين كانوا في زمانه كانوا مسلمين مؤمنين يعبدون اللهَ تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا، واستمرّ الأمر على هذه الحال إلى أن ظهر إبليس اللعين للناس في صورة إنسان ليفتنهم عن دين الإسلام، وأمرهم أن يعملوا صورًا وتماثيل لخمسة من الصالحين كانوا معروفين بين قومهم بالمنزلة والقدْر والصلاح، وكان في شرع إدريس جواز عمل تماثيل للأشخاص ثم نسخ ذلك، فأطاعوه وعملوا لهم صورًا وتماثيل، ثم لما طالت الأيام ظهر لهم مرة أخرى في وقت كثر فيه الجهل والفساد في الأرض، وأمرهم أن يعبدوا هذه التماثيل والأصنام الخمسة فأطاعوه وعبدوهم واتخذوهم ءالهةً من دون الله فصاروا كافرين مشركين، وكان ذلك بعد وفاة نبي الله إدريس عليه السلام بمدة ولم يكن في ذلك الوقت نبيّ، قال الله تعالى حكاية عن هؤلاء الذين عبدوا هؤلاء التماثيل التي كانت صورًا لخمسة من الصالحين: {وقالوا لا تذرُنَّ ءالهتُكم ولا تذرُنَّ وَدًّا ولا سُواعًا ولا يغوثَ ويَعوقَ ونسرًا} (سورة نوح/33). فسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام عاش تتمة الألف سنة بعد سيدنا ءادم على الإسلام هو ومن اتبعه ومن كان معه، يدعو المسلمين الذين كانوا في زمانه إلى تطبيق شريعة الله وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، وأخذ ينهى عن مخالفة شريعة الإسلام، فأطاعه بعضهم وخالفه بعض، فنوى أن يرحل فأمر من معه أن يرحلوا معه عن وطنهم العراق فثقل على هؤلاء الرحيل عن وطنهم، فقالوا له: وأين نجد مثل بابل إذا رحلنا؟ وبابل بالسريانية النهر، كأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال لهم: إذا هاجرنا لله رزقنا غيره (أي بلدًا غيره) فلما خرج سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه من العراق ساروا إلى أن وافوا هذا الإقليم الذي يسمى بابليون فرأوا النيل ورأوا واديًا خاليًا فوقف سيدنا إدريس على النيل وأخذ يتفكر في عظيم قدرة الله سبحانه ويسبح الله سبحانه وتعالى.أقام سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام ومن معه في مصر يدعوا الناس للالتزام بشريعة الله وكانت مدة إقامته في الأرض كما قيل اثنتين وثمانين سنة ثم رفعه الله إلى السماء ثم توفاه على هذه الأرض، وكون وفاته على الأرض هو الصحيح.
قصة سليمان ابن داود عليه السلام
قال الحافظ ابن عساكر: هو سليمان بن نبي الله بن نبي الله. جاء في بعض الآثار أنه دخل دمشق
قال الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}
أي: ورثه في النبوة والملك، وليس المراد ورثه في المال، لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم. ولأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا نورث ما تركنا فهو صدقة)).
علمه بمنطق الطير و الحيوان
وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} الآية
يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها.
حدثني أبو مالك قال:
مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة،
فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟
قالوا: وما يقول يا نبي الله؟
قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت.
قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.
وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات
{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش، والجماعات من الجن، والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين السارحات، والعلوم والفهوم، والتعبير عن ضمائر المخلوقات، من الناطقات والصامتات.
كما قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
يخبر تعالى عن عبده، ونبيه، وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، أنه ركب يوماً في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة، أي: نقباء يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه، ولا يتأخر عنه.
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}
فأمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.
والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأي السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره.
ولهذا قال:
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}
فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصاحين. وقد استجاب الله تعالى له.
والمراد بوالديه: داود عليه السلام وأمه، وكانت من العابدات الصالحات، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((قالت أم سليمان بن داود: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيراً يوم القيامة)).
عن الزهري :
أن سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم، إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها.
قال ابن عساكر: وقد روي عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله، فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال النبي ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة)).
وقال السدي: أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام، فأمر الناس فخرجوا، فإذا بنملة قائمة على رجليها، باسطة يديها، وهي تقول:
اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غناء بنا عن فضلك.
قال: فصب الله عليهم المطر
قال الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}
أي: ورثه في النبوة والملك، وليس المراد ورثه في المال، لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم. ولأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا نورث ما تركنا فهو صدقة)).
علمه بمنطق الطير و الحيوان
وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} الآية
يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها.
حدثني أبو مالك قال:
مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة،
فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟
قالوا: وما يقول يا نبي الله؟
قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت.
قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.
وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات
{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش، والجماعات من الجن، والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين السارحات، والعلوم والفهوم، والتعبير عن ضمائر المخلوقات، من الناطقات والصامتات.
كما قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
يخبر تعالى عن عبده، ونبيه، وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، أنه ركب يوماً في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة، أي: نقباء يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه، ولا يتأخر عنه.
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}
فأمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.
والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأي السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره.
ولهذا قال:
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}
فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصاحين. وقد استجاب الله تعالى له.
والمراد بوالديه: داود عليه السلام وأمه، وكانت من العابدات الصالحات، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((قالت أم سليمان بن داود: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيراً يوم القيامة)).
عن الزهري :
أن سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم، إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها.
قال ابن عساكر: وقد روي عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله، فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال النبي ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة)).
وقال السدي: أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام، فأمر الناس فخرجوا، فإذا بنملة قائمة على رجليها، باسطة يديها، وهي تقول:
اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غناء بنا عن فضلك.
قال: فصب الله عليهم المطر
قصة بلـقيس
قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ }
يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد، وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون، يقدمون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة، كما هي عادة الجنود مع الملوك.
وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر له هل بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه أن ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم، فلما تطلبه سليمان عليه السلام ذات يوم فقده، ولم يجده في موضعه من محل خدمته.
{فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}
أي: ماله مفقود من ههنا، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي.
{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} توعده بنوع من العذاب، اختلف المفسرون فيه، والمقصود حاصل على كل تقدير.
{أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: بحجة تنجيه من هذه الورطة.
قال الله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها {فَقَالَ} لسليمان {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} أي: بخبر صادق {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة، والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم، لم يخلف غيرها، فملَّكوها عليهم.
وذكر الثعلبي وغيره أن قومها ملكوا عليهم بعد أبيها رجلاً، فعم به الفساد، فأرسلت إليه تخطبه، فتزوجها فلما دخلت عليه سقته خمراً، ثم حزت رأسه، ونصبته على بابها، فأقبل الناس عليها، وملكوها عليهم، وهي بلقيس بنت السيرح، وهو الهدهاد، وقيل: شراحيل بن ذي جدن.
وكان أبوها من أكابر الملوك، وكان يأبى أن يتزوج من أهل اليمن، فيقال: إنه تزوج بامرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن، فولدت له هذه المرأة، واسمها تلقمة، ويقال لها بلقيس.
وقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: مما من شأنه أن تؤتاه الملوك
{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} يعني: سرير مملكتها كان مزخرفاً بأنواع الجواهر، والآلي، والذهب، والحلي الباهر.
ثم ذكر كفرهم بالله، وعبادتهم الشمس من دون الله، وإضلال الشيطان لهم، وصده إياهم عن عبادة الله وحده لا شريك له، الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما يخفون وما يعلنون أي: يعلم السرائر، والظواهر من المحسوسات والمعنويات.
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
أي: له العرش العظيم الذي لا أعظم منه في المخلوقات، فعند ذلك بعث معه سليمان عليه السلام، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله، وطاعة رسوله، والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه، ولهذا قال لهم: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} أي: لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي: وأقدموا علي سامعين مطيعين، بلا معاودة ولا مراودة.
فلما جاءها الكتاب مع الطير، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، ولكن تلك البطاقة كانت مع طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له، فذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم، أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها، وهي في خلوة لها، ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتابها.
فجمعت أمراءها، ووزراءها، وأكابر دولتها إلى مشورتها
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}
ثم قرأت عليهم عنوانه أولاً:
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}
ثم قرأته وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
ثم شاورتهم في أمرها، وما قد حل بها، وتأدبت معهم، وخاطبتهم وهم يسمعون {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} تعني: ما كنت لأبت أمراً إلا وأنتم حاضرون.
{قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}
يعنون: لنا قوة وقدرة على الجلاد والقتال ومقاومة الأبطال، فإن أردت منا ذلك فإنا عليه من القادرين فبذلوا لها السمع والطاعة، وأخبروها بما عندهم من الاستطاعة، وفوضوا إليها في ذلك الأمر لترى فيه ما هو الأرشد لها ولهم، فكان رأيها أفضل من رأيهم، وعلمت أن صاحب هذا الكتاب لا يغالب، ولا يمانع، ولا يخالف، ولا يخادع.
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
تقول برأيها السديد: إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة لم يخلص الأمر من بينكم، إلا إلي، ولم تكن الحدة والشدة والسطوة البليغة إلا علي.
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}
أرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها، بهدية ترسلها، وتحف تبعثها، ولم تعلم أن سليمان عليه السلام لا يقبل منهم، والحالة هذه صرفاً ولا عدلاً، لأنهم كافرون وهو وجنوده عليهم قادرون.
ولهذا: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} هذا وقد كانت تلك الهدايا مشتملة على أمور عظيمة، كما ذكره المفسرون.
ثم قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}
يقول: ارجع بهديتك التي قدمت بها إلى من قد من بها فإن عندي مما قد أنعم الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال، ما هو أضعاف هذا وخير من هذا، الذي أنتم تفرحون به، وتفخرون على أبناء جنسكم بسببه.
{فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي: فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم، ولا نزالهم، ولا مما نعتهم، ولا قتالهم، ولأخرجنهم من بلدهم، وحوزتهم، ومعاملتهم، ودولتهم أذلة {وَهُمْ صَاغِرُونَ} عليهم الصغار، والعار، والدمار.
فلما بلغهم ذلك عن نبي الله، لم يكن لهم بد من السمع والطاعة، فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة، وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين، سامعين، مطيعين، خاضعين، فلما سمع بقدومهم عليه، ووفودهم إليه، قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان، ما قصَّه الله عنه في القرآن.
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }
لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس، وهو سرير مملكتها التي تجلس عليه وقت حكمها قبل قدومها عليه {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} يعني: قبل أن ينقضي مجلس حكمك.
وكان فيما يقال من أول النهار إلى قريب الزوال، يتصدى لمهمات بني إسرائيل، وما لهم من الأشغال
{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} أي: وإني لذو قدرة على إحضاره إليك، وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة لديك
{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}.
المشهور: أنه آصف بن برخيا، وهو ابن خالة سليمان، وقيل: هو رجل من مؤمني الجان، كان فيما يقال يحفظ الاسم الأعظم، وقيل: رجل من بني إسرائيل من علمائهم، وقد قيل فيه قول رابع وهو: جبريل.
{أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}
قيل: معناه قبل أن تبعث رسولاً إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض، ثم يعود إليك،
وقيل: قبل أن يصل إليك أبعد من تراه من الناس،
وقيل: قبل أن يكل طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك،
وقيل: قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته، وهذا أقرب ما قيل.
{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
أي: فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين
{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}
أي: هذا من فضل الله علي، وفضله على عبيده، ليختبرهم على الشكر أو خلافه {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: إنما يعود نفع ذلك عليه {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين.
ثم أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلى هذا العرش، وينكر لها، ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال:
{نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}
وهذا من فطنتها وغزارة فهمها، لأنها استبعدت أن يكون عرشها، لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب.
قال الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}
أي: ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله، اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم، لا لدليل قادهم إلى ذلك، ولا حداهم على ذلك.
وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج، وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفاً من زجاج وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح، وسليمان جالس على سريره فيه.
{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه، وكان يزورها في كل شهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة أيام، ثم يعود على البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن: غمدان، وسالحين، وبيتون، فالله أعلم.
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أنه سليمان لم يتزوجها، بل زوجها بملك همدان، وأقرها على ملك اليمن، وسخر زوبعة ملك جن اليمن، فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن، والأول أشهر وأظهر، والله أعلم.
وَالْأَعْنَاقِ }
قال تعالى في سورة ص:
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله عليه تعالى فقال: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات، وهي التي تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة، الجياد: وهي المضمرة السراع.
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يعني: الشمس
{رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما أجراها وسابق بينها وبين يديه.
قالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، روي هذا عن علي بن أبي طالب وغيره، والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمداً من غير عذر
وقد قيل إنها كانت خيلا عظيمة، قيل: كانت عشرة آلاف فرس، وقيل: عشرين ألف فرس، وقيل: كان فيها عشرون فرساً من ذوات الأجنحة.
وقال بعض العلماء: لما ترك الخيل لله، عوضه الله عنها بما هو خير له منها، وهو الريح التي كانت غدوها شهراً ورواحها شهرا كما سيأتي الكلام عليها.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ}
ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما من المفسرين ههنا آثاراً كثيرة ، وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات، وفي كثير منها نكارة شديدة، واقتصرنا ههنا على مجرد التلاوة، ومضمون ما ذكروه أن سليمان عليه السلام غاب عن سريره أربعين يوماً، ثم عاد إليه، ولما عاد أمر ببناء بيت المقدس، فبناه بناء محكماً.
حكم سليمان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالاً ثلاثاً، فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة، سأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها)).
فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً...}
روى أن هؤلاء القوم كان لهم كرم، فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي: رعته بالليل، فأكلت شجره بالكلية، فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم لأصحاب الكرم بقيمته، فلما خرجوا على سليمان قال: بما حكم لكم نبي الله؟
فقالوا: بكذا وكذا.
فقال: أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم، فيستغلونها نتاجا ودراً حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه، ثم يتسلموا غنمهم. فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما، فتنازعتا في الآخر.
فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك.
وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك.
فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها)).
قال الله تعالى: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}
تسخير الريح و الشياطين له
ثم قال: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}
وقال في سورة ص: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}
لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله، عوضه الله منها الريح التي هي أسرع سيراً، وأقوى وأعظم، ولا كلفة عليه لها، تجري بأمره رخاء {حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد من أي البلاد، كان له بساط مركب من أخشاب بحيث إنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية، والقصور، والخيام، والأمتعة، والخيول، والجمال، والأثقال، والرجال من الأنس والجان، وغير ذلك من الحيوانات والطيور، فإذا أراد سفراً أو مستنزهاً، أو قتال ملك، أو أعداء من أي بلاد الله شاء.
فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط، أمر الريح فدخلت تحته فرفعته، فإذا استقل بين السماء والأرض، أمر الرخاء فسارت به، فإن أراد أسرع من ذلك، أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي مكان شاء، بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس، فتغدو به الريح فتضعه باصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار، ثم يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس.
كما قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ }.
قال الحسن البصري: كان يغدو من دمشق، فينزل باصطخر فيتغدى بها، ويذهب رائحاً منها، فيبيت بكابل، وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر، وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر.
قلت: قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان: أن اصطخر بنتها الجان لسليمان، وكان فيها قرار مملكة الترك قديماً، وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر، وبيت المقدس، وباب جبرون، وباب البريد، اللذان بدمشق على أحد الأقوال.
وأما القطر فقيل : هو النحاس.
{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}
أي: وسخر الله له من الجن عمالاً يعملون له ما يشاء، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} وهي: الأماكن الحسنة، وصدور المجالس {وَتَمَاثِيلَ} وهي: الصور في الجدران، وكان هذا سائغاً في شريعتهم وملتهم {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ}.
قال ابن عباس: الجفنة كالجوبة من الأرض وعنه كالحياض وهي الحوض الذي يجبي فيه الماء
وأما القدور الراسيات فقيل : أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن .
ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام، والإحسان إلى الخلق من إنسان وجان، قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
وقال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} يعني أن منهم من قد سخره في البناء، ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر، والآلي، وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك.
وقوله: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} أي: قد عصوا فقيدوا، مقرنين: اثنين اثنين في الأصفاد، وهي القيود، هذا كله من جملة ما هيأه الله، وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك، الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولم يكن أيضاً لمن كان قبله.
وقد ذكر غير واحد من السلف أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة، سبعمائة بمهور، وثلاثمائة سراري، وقيل: بالعكس ثلاثمائة حرائر، وسبعمائة من الإماء. وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمراً عظيماً جداً.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن تلد غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف إنسان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال إن شاء الله لولدت كل امرأة منهن غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل)).
وقد كان له عليه السلام من أمور الملك، واتساع الدولة، وكثرة الجنود وتنوعها، ما لم يكن لأحد قبله، ولا يعطيه الله أحداً بعده كما قال: {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه، من النعم الكاملة العظيمة إليه قال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: أعط من شئت، واحرم من شئت، فلا حساب عليك، أي تصرف في المال كيف شئت، فإن الله قد سوغ لك كلما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك.
وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول، فإن من شأنه أن لا يعطي أحداً، ولا يمنع أحداً إلا بإذن الله له في ذلك، وقد خير نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بين هذين المقامين، فاختار أن يكون عبداً رسولاً.
وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة، فالله الحمد والمنة.
وفــاته
قال الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}
عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة:
كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين، والشهر والشهرين، وأقل من ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفي فيها، و لم يكن يوم يصبح فيه، إلا نبتت في بيت المقدس شجرة، فيأتيها فيسألها ما اسمك؟
فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا.
فيقول لها: لأي شيء نبت؟
فتقول: نبت لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع، فإن كانت لغرس غرسها، وإن كانت نبتت دواء قالت نبت دواء لكذا وكذا، فيجعلها كذلك.
حتى نبتت شجرة يقال لها: الخروبة فسألها: ما اسمك؟
فقالت: أنا الخروبة.
فقال: ولأي شيء نبت؟
فقالت: نبت لخراب هذا المسجد.
فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي، وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئاً على عصاه فمات، ولم تعلم به الشياطين وهم في ذلك يعملون له، يخافون أن يخرج فيعاقبهم.
وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول الست جليداً إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر.
فدخل شيطان من أولئك فمر، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان عليه السلام وهو في المحراب إلا احترق، ولم يسمع صوت سليمان، ثم رجع فلم يسمع.
ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق، ونظر إلى سليمان عليه السلام قد سقط ميتاً، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته - وهي العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يوماً وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد مات منذ سنة.
فمكثوا يعملون له من بعد موته حولاً كاملاً، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله عز وجل: {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}.
قصة آدم عليه السلام
شاءت إرادة الله تعالى ان يخلق آدم .. فكيف خلقه و مما خلقه ؟؟
سنحاول أن نعرف القصة من خلال آيات القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة
عن أبي هريرة مرفوعاً: "وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " عن ابى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".
عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها،
فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني
فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل.
فبعث الله ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً. واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض
ثم قال للملائكة:
{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}
وكان إبليس يقول: لأمر ما خُـلقت، ودخل من فِـيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سُـلطت عليه لأهلكنه.
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال الله تعالى للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة قل: الحمد لله
فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}
وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك :
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك".
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله".
وعن أبي هريرة رفعه قال: "لما خلق الله آدم عطس، فقال الحمد لله، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم".
وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته.
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون خلقه الله وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خُـلقت لأمر عظيم.
ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله رحمة به، فقال الله يرحمك ربك
ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟
فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك.
قال يا رب: وما ذريتي؟
قال: اختر "احدى" يدي يا آدم،
قال: أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره،
قال يا رب من هذا؟
قال ابنك داود
قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟
قال جعلت له ستين
قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك.
فلما نفذ عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟
قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته".
وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي".
وعن الحسن قال: خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلى.
فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟
قال: يا آدم إني أردت أن أُشكر.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم قال اذهب فسلم على أولئك "النفر" من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
وعن ابن عباس، قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذريته عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، قال: أي رب من هذا؟
"أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم. أن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض
قال: هذا ابنك داود،
قال أي رب كم عمره،
قال: ستون عاماً،
قال: أي رب زد في عمره.
قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً. فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: أنه قد بقي من عمري أربعون عاماً.
فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود
قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }
ُسئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون".
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار".
وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي.
فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية؛ فجاء فى الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال:
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.
وعن أبي بن كعب، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية والتي بعدها.
قال: فجمعهم له يومئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية.
قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي.
قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة.
ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك،
فقال: يا رب لو سويت بين عبادك؟
فقال: إني أحببت أن أشكر.
ورأى فيهم الأنبياء عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}
وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول نعم. فيقول قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي".
ولما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
ثم لما اسكن آدم الجنة التي أسكنها ، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام، يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الأرض. وقد اختلف العلماء في مواضع هبوطه منها.
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة
عن ابن عباس: أن الله قال: يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي، فانطلق فابن لي فيه بيتاً، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك.
وعنه: أن أول طعام أكله آدم في الأرض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ما هذا؟
قال:هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها
فقال: وما أصنع بهذا؟
قال: ابذره في الأرض، فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت فحصده، ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم. وتعب ونكد، وذلك قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}.
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن: جزاه ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعاً وخماراً.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.
ذكر قصة ابنى آدم قابيل و هابيل
قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {
ونذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك.
أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى "البطن" الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين، والأرضين والجبال فأبين، فتقبل قابيل بحفظ ذلك.
فلما ذهب قربا قربانهما؛ فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي،
فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
وروي عن ابن عباس: وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده!
وذكر أبو جعفر : أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي. وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذا هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني.
فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله.
وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته.
وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم.
وقوله له لما توعده بالقتل: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه، أن تبوء بإثمي وإثمك، أي تتحمل إثم مقاتلتي مع ما لك من الأثام المتقدمة قبل ذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل".
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}.
ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة، وقال آخرون حمله مائة سنة، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين أخوين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً
وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه.
و قد رزق الله آدم بعد وفاة ابنه هابيل بإبن سماه آدم و حواء " شيث "
ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.
قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، على شيث خمسين صحيفة".
ذكر وفاة آدم و وصيته لابنه شيث
ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.
قال: ويقال أن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا. والله أعلم.
ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط، وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام.
عن أبي بن كعب، قال:
إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟
قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة،
فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل.
فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره،ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
واختلفوا في موضع دفنه: فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط عليه في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة
وقد ماتت بعد حواء بسنة واحدة.
واختلف في مقدار عمره عليه السلام: وقد ذكرنا في الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعاً: أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة.
وقال عطاء الخراساني: لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبع أيام. رواه ابن عساكر.
فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي ذر مرفوعاً أنزل عليه خمسون صحيفة.
سنحاول أن نعرف القصة من خلال آيات القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة
عن أبي هريرة مرفوعاً: "وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " عن ابى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".
عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها،
فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني
فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل.
فبعث الله ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً. واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض
ثم قال للملائكة:
{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}
وكان إبليس يقول: لأمر ما خُـلقت، ودخل من فِـيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سُـلطت عليه لأهلكنه.
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال الله تعالى للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة قل: الحمد لله
فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}
وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك :
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك".
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله".
وعن أبي هريرة رفعه قال: "لما خلق الله آدم عطس، فقال الحمد لله، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم".
وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته.
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون خلقه الله وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خُـلقت لأمر عظيم.
ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله رحمة به، فقال الله يرحمك ربك
ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟
فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك.
قال يا رب: وما ذريتي؟
قال: اختر "احدى" يدي يا آدم،
قال: أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره،
قال يا رب من هذا؟
قال ابنك داود
قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟
قال جعلت له ستين
قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك.
فلما نفذ عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟
قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته".
وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي".
وعن الحسن قال: خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلى.
فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟
قال: يا آدم إني أردت أن أُشكر.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم قال اذهب فسلم على أولئك "النفر" من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
وعن ابن عباس، قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذريته عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، قال: أي رب من هذا؟
"أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم. أن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض
قال: هذا ابنك داود،
قال أي رب كم عمره،
قال: ستون عاماً،
قال: أي رب زد في عمره.
قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً. فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: أنه قد بقي من عمري أربعون عاماً.
فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود
قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }
ُسئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون".
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار".
وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي.
فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية؛ فجاء فى الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال:
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.
وعن أبي بن كعب، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية والتي بعدها.
قال: فجمعهم له يومئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية.
قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي.
قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة.
ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك،
فقال: يا رب لو سويت بين عبادك؟
فقال: إني أحببت أن أشكر.
ورأى فيهم الأنبياء عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}
وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول نعم. فيقول قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي".
ولما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
ثم لما اسكن آدم الجنة التي أسكنها ، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام، يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الأرض. وقد اختلف العلماء في مواضع هبوطه منها.
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة
عن ابن عباس: أن الله قال: يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي، فانطلق فابن لي فيه بيتاً، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك.
وعنه: أن أول طعام أكله آدم في الأرض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ما هذا؟
قال:هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها
فقال: وما أصنع بهذا؟
قال: ابذره في الأرض، فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت فحصده، ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم. وتعب ونكد، وذلك قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}.
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن: جزاه ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعاً وخماراً.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.
ذكر قصة ابنى آدم قابيل و هابيل
قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {
ونذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك.
أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى "البطن" الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين، والأرضين والجبال فأبين، فتقبل قابيل بحفظ ذلك.
فلما ذهب قربا قربانهما؛ فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي،
فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
وروي عن ابن عباس: وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده!
وذكر أبو جعفر : أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي. وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذا هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني.
فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله.
وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته.
وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم.
وقوله له لما توعده بالقتل: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه، أن تبوء بإثمي وإثمك، أي تتحمل إثم مقاتلتي مع ما لك من الأثام المتقدمة قبل ذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل".
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}.
ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة، وقال آخرون حمله مائة سنة، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين أخوين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً
وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه.
و قد رزق الله آدم بعد وفاة ابنه هابيل بإبن سماه آدم و حواء " شيث "
ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.
قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، على شيث خمسين صحيفة".
ذكر وفاة آدم و وصيته لابنه شيث
ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.
قال: ويقال أن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا. والله أعلم.
ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط، وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام.
عن أبي بن كعب، قال:
إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟
قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة،
فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل.
فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره،ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
واختلفوا في موضع دفنه: فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط عليه في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة
وقد ماتت بعد حواء بسنة واحدة.
واختلف في مقدار عمره عليه السلام: وقد ذكرنا في الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعاً: أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة.
وقال عطاء الخراساني: لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبع أيام. رواه ابن عساكر.
فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي ذر مرفوعاً أنزل عليه خمسون صحيفة.
الأربعاء، 13 مايو 2009
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)